في الخامس من حزيران 2025، حلت الذكرى ال 58 لنكسة حزيران 1967، بعد أيام قليلة من الذكرى 78 لنكبة أيار 1948.
هاتان المحطتان المؤلمتان تمران في ظل ظروف عسكرية و جيوسياسية تُعدّ من بين الأسوأ والأخطر في تاريخ القضية الفلسطينية و على المنطقة العربية بأسرها، في وقت يغيب فيه أي أفق لحل عادل وشامل ينهي أطول وأقسى احتلال عرفه التاريخ الحديث، بما فيه من ممارسات وحشية وعنصرية وانتهاكات منهجية للحقوق الإنسانية.
في إحياء الذكرى، حضرت لغة العاطفة الجياشة ونبرة التباكي في الخطابات الرسمية والشعبية، وغابت إلى حد كبير لغة التحليل الموضوعي والتأمل النقدي في الأسباب و النتائج، و سبل التعامل مع آثار النكسة انطلاقًا من الواقع السياسي العربي الراهن وإمكاناته المتاحة.
إن العدالة التاريخية والمسؤولية الأخلاقية تقتضيان اليوم ألا تظل ذكرى الخامس من حزيران مجرد مناسبة عابرة نحصرها بين الكتابة الإجبارية أو الخطابات البروتوكولية التي يطغى عليها صبغة المشاعر العاطفية البكائية ، بل ينبغي أن تكون فرصة لإحياء وعي استدعاء النهج النقدي للحدث بكل أبعاده، مما يسمح بإعادة النظر في كل ما جرى، و استيعاب دلالاته، والتأسيس عليها لفهم أعمق لمسار القضية الفلسطينية وما آلت إليه.
و لعل الأهم من إحياء الذكرى، هو الإجابة الصريحة عن أسئلة مشروعة تفرض نفسها:
-هل فهمنا فعليًا ظروف وتفاصيل تلك المرحلة و مفاصلها الأساسية، و الشجاعة في مواجهتها ؟
-هل امتلكنا أدوات التحليل اللازمة المناسبة لقراءة نتائجها، وسألنا أنفسنا عما أعددنا من وعي سياسي واستراتيجيات فكرية ودبلوماسية وعسكرية ناجحة لمواجهتها أو تجاوزها؟
رغم مرور ما يزيد عن نصف قرن، ما زالت الشعوب والدول العربية تعاني من تبعات تلك الهزيمة ، وما زال الفكر السياسي العربي رهين المعادلة الصفرية، رغم تغيّر المعطيات و تبدل الوقائع على الأرض ، و كأن ساعة النكسة توقفت هناك في الخامس من حزيران، تنتظر من يعيد تحريكها نحو زمن جديد، يحمل شارة الاستفاقة ، و يعلن أن الرسالة الأسمى لذكرى النكسة هي:
"إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، كحق مشروع لجميع أبناء الشعب الفلسطيني والأمة العربية، في إطار يكفل حرية الإنسان وكرامته، وحقه في ممارسة معتقده و دينه بحرية، دون تمييز أو إقصاء."
وللوصول إلى هذا الهدف، في ظل الواقع السياسي الراهن، تبرز الحاجة الملحة إلى إعادة بناء مشروع تحرري وطني ، مشروع يستند إلى رؤية سياسية واقعية، و استخدام كل ما هو متاح من وسائل النضال المختلفة المستمدة من وعي نقدي محيط بما جرى، وقدرة على قراءة الحاضر واستشراف المستقبل، بما يضمن الثبات والصمود، ويقود إلى تحرير الأرض والإنسان .