في عصر العولمة والانفتاح الثقافي، أصبحت الهوية الوطنية أكثر من مجرد رموز وعادات، بل أصبحت درعًا يحمي المجتمعات من الذوبان في تيارات لا تشبهها ولا تمت لها بأي صلة، فالهوية الوطنية هي جوهر الانتماء، والشعور العميق بالجذور والتاريخ، وهي البوصلة التي توجه الشباب في بحر العالم المتغير، حيث تتسارع فيها الأحداث وتتنافس فيها وسائل الإعلام على جذب الانتباه، أصبح للإعلام دور محوري يتجاوز مجرد نقل الأخبار، بل يصل إلى عمق تشكيل الوعي والهوية الوطنية، فالمواطن اليوم لا يتلقى فقط معلومات، بل يتشرب من خلالها قيمًا، واتجاهات، وصورًا ذهنية عن وطنه ونفسه.
الهوية الوطنية لا تُورث فقط بالولادة، بل تُبنى بالتجربة اليومية، واللغة المستخدمة، والرموز المعروضة، والقصص التي تُروى، وهنا يتجلى دور الإعلام كقوة مؤثرة، تُعيد تشكيل العلاقة بين الشباب والوطن.
الإعلام الوطني الصادق يسهم في ترسيخ الهوية من خلال عرض تاريخ الوطن، تسليط الضوء على الإنجازات، الاحتفاء بالرموز الثقافية، والدفاع عن القيم المحلية، وعمل برامج وثائقية عن التاريخ، وإبراز الشخصيات الوطنية، تغطيات للأعياد الوطنية، ومحتوى يعكس لهجة وثقافة المجتمع، كل ذلك يرسّخ في عقل الشباب شعور الولاء، الحب، والانتماء.
لكن الصورة ليست دائمًا وردية، فعندما ينحرف الإعلام عن رسالته، أو يغرق في تقليد النماذج الغربية دون وعي، قد يسهم ذلك في إضعاف الهوية الوطنية، خصوصًا عند الشباب، فالمبالغة في عرض أنماط حياة دخيلة، أو تهميش اللغة العربية، أو تسليط الضوء على السلبيات فقط، قد تخلق فجوة بين الشباب ووطنهم.
ومع انتشار الإعلام الرقمي ووسائل التواصل، تضاعفت التحديات، فاليوم، يمكن لأي شخص أن يصنع محتوى، ولكن ليس كل محتوى يراعي الهوية الوطنية لذا، أصبحت المسؤولية مشتركة، فالدولة يجب أن تدعم الإعلام الوطني الهادف، وعلى المؤسسات الإعلامية أن تنتج محتوى يُفتخر به، وعلى الشباب أن يختار ويدعم الإعلام الذي يعزز هويته.
الإعلام ليس مجرد وسيلة اتصال، بل هو أداة يبني فيها فكر مجتمع ، ليصبح حصنًا للهوية الوطنية، وإن أُهمل أو أُسيء استخدامه، صار معولًا لهدمها، فالإعلام يصنع الذاكرة الجمعية، وينحت في وجدان الشباب صورة الوطن.
وهنا تبرز مسؤولية الشباب في حماية هويتهم الوطنية، ويمكن أن ننمي ذلك من خلال الاعتزاز بالهوية الوطنية، ونقلها للأجيال القادمة، والمشاركة الفعالة في الفعاليات الوطنية، ودعم الإنتاج الثقافي المحلي، كما يجب على المؤسسات التعليمية والإعلامية أن تلعب دورًا جوهريًا في ترسيخ هذه الهوية، دون أن تنغلق على العالم، بل من خلال تفاعل واعٍ ، مدرك ومتزن .
الهوية الوطنية ليست عائقًا أمام التقدم، بل هي مصدر قوة، تمنح المجتمعات تميزا وسط التشابه العالمي.