في ظل زحام الألقاب وتضخم العناوين، برزت ظاهرة متنامية في العالم العربي والعالم، مفادها: "كيف نصنع دكتورًا من لا شيء، ثم نطالب الناس بالتصفيق له؟"
الدكتوراه الفخرية، والتي يُفترض بها أن تكون تكريمًا استثنائيًا لشخصيات قدّمت إنجازات ملهمة في مجالات إنسانية أو مجتمعية أو ثقافية، أصبحت – في بعض الحالات – أداة تلميع شخصية ووسيلة لتضليل الرأي العام، حين تُسحب من سياقها الرمزي إلى منصات الادّعاء العلمي.
الدكتوراه الفخرية: تكريم لا تأهيل
يعرّف المجتمع الأكاديمي الدكتوراه الفخرية بأنها شهادة شكر معنوية، لا علاقة لها بالدراسة أو البحث العلمي، ولا تمنح حاملها أي صلاحيات أكاديمية أو علمية، كالإشراف على الرسائل الجامعية أو التدريس.
ومع ذلك، ما نراه على أرض الواقع يشي بعكس ذلك تمامًا، إذ بات البعض يتعامل مع هذا التكريم الرمزي على أنه مؤهل أكاديمي، يستخدمه لتقديم نفسه كـ"خبير"، و"مفكر"، و"مرجع وطني"، حتى وإن خلا تاريخه من أي مساهمة علمية حقيقية.
بين الواقع والاستعراض
في مشاهد أصبحت مألوفة، نشهد أشخاصًا يُصرّون على استخدام لقب "الدكتور" في كل محفل، ويرفضون مناداتهم بأسمائهم المجردة، وكأن اللقب يُمنحهم سلطة معرفية فوق النقد.
ويزداد الأمر غرابة حين تكون الجهة المانحة لتلك "الدكتوراه" مجرد مؤسسة غير معترف بها، أو "جامعة إلكترونية" لا وجود لها إلا على الإنترنت، وربما على شكل موقع إلكتروني متواضع التصميم.
ازدواجية المعايير وتضليل الجمهور
الخطورة لا تكمن في نيل الدكتوراه الفخرية بحد ذاتها، فهي ممارسة متعارف عليها عالميًا. لكن المشكلة تبدأ حين يُستخدم هذا اللقب كغطاء لتمرير آراء غير مدروسة، أو لإضفاء هالة مصطنعة على شخصية عامة، أو للتسلّق إلى مواقع اتخاذ القرار والتأثير المجتمعي دون امتلاك أدوات التفكير العلمي الرصين.
وفي بعض السياقات، باتت هذه الظاهرة تهدد مصداقية التعليم، وتخلط بين الإنجاز الحقيقي والاستعراض، بين الجهد المعرفي والشهرة المؤقتة، وتُفرغ الألقاب من قيمتها.
بين التقدير والادّعاء
لا عيب في أن يُكرّم الإنسان على جهوده، فالمجتمعات تحتاج إلى رموزها وقدواتها. لكن حين يتحوّل التكريم إلى غطاء للادّعاء، ووسيلة للتفاخر، فإننا نكون أمام أزمة قيم معرفية، تزداد خطورتها حين تُروّج في أوساط الشباب بوصفها طريقًا مختصرًا إلى المجد والهيبة.
في الأردن، كما في غيره، نحتاج اليوم إلى إعادة تعريف لهذه الظاهرة، وضبط استخدامها ضمن إطارها الحقيقي: التقدير لا التمجيد، والتكريم لا التأهيل.
ليست كل الدكتوراه تُبنى بالكتب والمراجع، وليست كل "دكتور" قد اجتهد، لكن تظل القاعدة واضحة:
اللقب لا يصنع الفكر، والفكر لا يحتاج إلى لقب ليُضيء.