نيروز الإخبارية : قال منتدى الاستراتيجيات الأردني، إن حقل الريشة، يمتلك احتياطيات واعدة من الغاز الطبيعي، إذ تبلغ القدرة الإنتاجية الحالية قرابة 62 مليون قدم مكعب يوميًا، يُباع منها ما يتراوح بين 16 و20 مليون قدم مكعب فقط.
وأشار المنتدى، في ورقة سياسات بعنوان "حقل غاز الريشة: فرصة استراتيجية لإعادة توجيه المسار الاقتصادي"، إلى أن خطط التوسع المستقبلي للحقل تستهدف رفع قدرته إلى قرابة 418 مليون قدم مكعب يوميًا بحلول عام 2030، وبمعدل نمو سنوي يقارب 40% خلال الفترة 2025-2030، وفق دراسة شركة البترول الوطنية "تطوير حقل غاز الريشة".
وسلطت الورقة الضوء على أهمية الحقل كمورد وطني واعد يمكن أن يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة. وتناولت الورقة الفرص والتحديات المرتبطة باستغلال هذا المورد، مستعرضة تجارب دولية للاستفادة من أفضل الممارسات في إدارة الثروات الطبيعية، وقدمت مجموعة من التوصيات لضمان استغلال فعّال ومتكامل لهذا القطاع الحيوي.
وأشارت الورقة إلى أن الاقتصاد الأردني يواجه منذ سنوات طويلة مجموعة معقدة من التحديات الاجتماعية والاقتصادية. وفي هذا السياق، أكّد المنتدى على أن اكتشاف الاحتياطيات الواعدة في حقل غاز الريشة يعد فرصة استراتيجية يمكن من خلالها إعادة توجيه المسار الاقتصادي نحو إصلاح هيكلي يدعم التقدم والازدهار.
وبحسب الورقة، فإن تحقيق هذا الهدف سيمكّن الأردن من تلبية أكثر من 60% من احتياجاته من الغاز الطبيعي، بل وقد يصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في قطاع الكهرباء وبعض الصناعات، مشيرة إلى أن الأردن ملتزم باتفاقيات استيراد غاز طويلة الأمد وثابتة، تمتد من عام 2020 حتى عام 2034، وهي اتفاقيات مُلزِمة قانونياً ولا يمكن إلغاؤها دون التعرّض لعواقب مالية وقانونية كبيرة.
وبينت الورقة أنه وفي حال انتهاء مدة هذه الاتفاقيات، سيتمكن الأردن من الاعتماد بشكل أكبر على إنتاجه المحلي لتلبية احتياجاته من الغاز، مما سيسهم في تقليص اعتماده على واردات الطاقة، ويعزز أمن التزويد واستقرار الإمدادات.
ولفت المنتدى النظر إلى أن إدارة حقل غاز الريشة بكفاءة وفعالية، يمكن أن يتحول إلى رافعة إستراتيجية تدعم الاقتصاد الوطني، من خلال تعزيز الصادرات ذات القيمة المضافة، وتوفير فرص عمل مستدامة، والمساهمة في تقليص العجز التجاري، علاوة على إسهامه في توليد إيرادات مالية إضافية لخزينة الدولة، تدعم تنفيذ الخطط التنموية وتوسيع القاعدة الإنتاجية.
واستعرضت الورقة عددًا من التجارب الدولية للوقوف على الممارسات المثلى في استغلال الموارد الطبيعية وإدارتها، وذلك بالنظر في نماذج عقود الإدارة، والخيارات الإستراتيجية أمام الدول لاستغلال تلك الموارد، والممارسات الفضلى في عقود اتفاقيات الامتياز، والقدرات التنظيمية، والمهارات المطلوبة لها.
ومن بين النماذج الناجحة في إدارة الموارد الطبيعية جاءت السعودية، والتي مثلت تجربة بنّاءة رغم هيمنة الشركات الأجنبية في البداية، لتنجح في إعادة التفاوض على اتفاق تقاسم الأرباح بنسبة 50/50، ومن ثم التأميم التدريجي دون الإضرار بالعلاقات والشراكات الدولية.
إضافة إلى تجربة النرويج التي برزت كتجربة ذهبية في إدارة الموارد الطبيعية، لتصبح نموذج عالمي لأفضل الممارسات في تحويل ثروة الهيدروكربونات إلى تنمية مستدامة. حيث حافظت من خلالها على ملكية الدولة للموارد الطبيعية ونجحت في إدارة إيراداتها من خلال تأسيس صندوق التقاعد الحكومي النرويجي والذي أصبح اليوم أكبر صندوق سيادي للثروة في العالم.
وعند النظر لتجربة الدول الناشئة، جاءت تجربة غانا وإندونيسيا من أفضل الممارسات في هذا الإطار، حيث ركزت غانا في إدارتها للثروات الطبيعية على الشفافية وتعزيز المحتوى المحلي، بينما اختارت إندونيسيا نهجًا مختلفًا، من خلال اعتماد عقود تقاسم الإنتاج بدلاً من التأميم الكامل، وفرضها حظرًا على تصدير المعادن الخام ألزم من خلاله الشركات بإنشاء محطات تكرير داخل البلاد، ما أتاح تحقيق توازن بين مصالح المستثمرين وتحقيق المنفعة العامة.
وأشارت الورقة أيضاً إلى تجربتي كل من البحرين و"ترينداد وتوباغو"، اللتان قدمتا نموذجاً عالمياً في تطوير الصناعات البتروكيماوية المتقدمة. حيث تبنت البحرين نموذجًا سبّاقًا وناجحًا في تحويل الغاز الطبيعي من مورد خام إلى ركيزة للتنمية الصناعية المستدامة، رغم امتلاكها احتياطيات غاز محدودة مقارنة بجيرانها، إلا أنها أصبحت اليوم مركزاً صناعياً إقليمياً للألمنيوم والبتروكيماويات. فيما كانت "ترينداد وتوباغو" واحدة من أنجح النماذج العالمية في الاستفادة من الغاز الطبيعي، بتحويله إلى صناعات تحويلية متقدمة ومصدر رئيسي للنمو الاقتصادي.
في المقابل، استعرضت الورقة تجربة فنزويلا التي واجهت تراجعًا حادًا في إنتاج النفط نتيجة ضعف البنية المؤسسية، وتراجع معدلات إعادة الاستثمار، والاعتماد المتزايد على صادرات النفط والتدخل السياسي في شركة النفط الوطنية، ما أدى إلى أزمة اقتصادية عميقة، رغم تقديمها نموذجًا ناجحاً في بدايته.
وأشار المنتدى بالاستناد إلى تلك التجارب، إلى أن الدول التي تمتلك احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي عادة ما تتبنى خيارات استراتيجية وسياسات وطنية مبنية على الهدف المنشود من استغلال هذا المورد. مبيناً أن النموذج الأكثر نجاحًا هو النهج التدريجي والمتوازن الذي يجمع بين تنمية الصناعة المحلية على المدى المتوسط والطويل، وتصدير كميات مدروسة من الغاز بشكل خاضع للرقابة والمساءلة، لتوليد عائدات مالية على المدى القصير، دون إضعاف الإمكانات الإنتاجية المحلية، مؤكداً أن ذلك من شأنه أن يحقق الأهداف التنموية الوطنية دون الوقوع في فخ الاعتماد المفرط على تصدير المورد الخام كمصدر رئيس للدخل.
وأوضح المنتدى في ورقته أن مستقبل الأردن في قطاع الغاز يعتمد على الكيفية التي سيتم من خلالها هيكلة وتنفيذ اتفاقيات الامتياز المتعلقة بحقل غاز الريشة وغيره من الحقول المتوقعة، وأن الفارق بين النجاح والفشل لا يكمن في توفر الموارد الطبيعية فقط، بل في قدرة الدولة على بناء أطر مؤسسية وتنظيمية متينة قادرة على استغلال الموارد الطبيعية وتوجيهها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وبين المنتدى أن الدروس المستخلصة من اتفاقيات الامتياز، تتمثل بشكل رئيس في كل من "الضمانات المالية"؛ كاعتماد نظام عوائد تصاعدي يرتفع مع زيادة الإنتاج، أو ارتفاع الأسعار العالمية، وفرض ضرائب على الأرباح المفاجئة، وتطبيق مبدأ العزل المالي. إضافة إلى "المحتوى المحلي والتوظيف"؛ كإلزام الشركات الأجنبية بتوظيف العمالة المحلية المؤهلة والمدربة، ودعم برامج بناء القدرات والتعليم، ونقل المعرفة. علاوة على "نقل التكنولوجيا"، و"الحماية البيئية والاجتماعية"، و"الحماية القانونية".
وحتى تتمكن وزارة الطاقة والثروة المعدنية من إدارة قطاع الغاز بكفاءة، أكد المنتدى على أنه لا بد من توفر قدرات وخبرات متخصصة تساند الوزارة في دورها التنظيمي، مثل توافر خبراء في اقتصاديات البترول والمعادن، والمحامون والقضاة المختصون في العقود والقوانين الدولية للطاقة، وعلماء الجيولوجيا والمهندسون، والمدققون الماليون والمحللون الاقتصاديون، وخبراء البيئة.
وأشار المنتدى الى أنه من خلال تبني استراتيجية تدريجية تركّز على تحقيق القيمة المضافة، وتنطلق من مبادئ الحوكمة الرشيدة والاستثمار طويل الأجل، يمكن للأردن أن يُحوّل مورد الغاز الطبيعي إلى محفّز فعّال للنمو الاقتصادي الشامل والمستدام، وتعزيز أمن الطاقة مستقبلاً، ودفع عجلة التحول الصناعي.
وقدم المنتدى عددًا من التوصيات المتعلقة بالاستغلال الأمثل لمورد حقل الريشة، والتي تمثلت في التصدير المرحلي للغاز الطبيعي بشكل مباشر على المدى القصير، وبتصميم خطة شاملة للتصنيع النهائي والتنويع الاقتصادي، والدخول في شراكات إستراتيجية، على المديين المتوسط والطويل بهدف إنتاج (الأمونيا، والبوليمرات، والميثانول...) وغيرها من المنتجات.
وأوصى المنتدى بضرورة الإسراع في عملية تزويد المصانع بالغاز كمصدر طاقة أو كمدخل إنتاج، الأمر الذي يساهم في خفض كلف الإنتاج، وزيادة القدرة التنافسية للقطاع الصناعي. الى جانب العمل على رفد وزارة الطاقة والثروة المعدنية بالآليات المناسبة لتوفير الكفاءات والقدرات الفنية المطلوبة. وتعزيز بناء مجمعات صناعية متكاملة بالقرب من مصادر الغاز، وتوجيه الاستثمار نحو البحث والتطوير.
ولتحقيق الاستغلال الأمثل لمورد حقل الريشة، أكد المنتدى على ضرورة تبني الحكومة لاستراتيجية متعددة الأبعاد، تأخذ بعين الاعتبار تجنّب الاندفاع وراء العوائد السريعة وقصيرة الأجل، إضافة إلى تعزيز قدرات المؤسسات الوطنية المعنية بتنظيم الموارد الطبيعية، إلى جانب تصميم خطة وطنية شاملة للتصنيع النهائي، ضمن رؤية أوسع للتنويع الاقتصادي.
وبين المنتدى في هذا السياق أن هذا الخيار يتطلب دراسات جدوى مفصلة، تأخذ بعين الاعتبار حجم الاستثمار المطلوب، وعوائده الاقتصادية، وأثره على التشغيل المحلي.