بين طيات الرمال وسكون البادية، يقف بيت الشعر الذي كان يأوي الشيخ المرحوم نايف حديثة الخريشا "أبو الشايش" شاهدًا على زمن من الهيبة والكرم، وذاكرة حية لزعيم من طراز نادر، ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ قبيلة بني صخر وفي عمق الجزيرة العربية.
ولد الشيخ نايف في بيت الزعامة، فهو نجل الزعيم التاريخي المرحوم حديثة الخريشا، أحد أبرز رجالات الأردن في مطلع القرن العشرين، وورث عنه الحكمة والحنكة والشجاعة في المواقف، والكرم الذي أصبح مضربًا للمثل بين القبائل والعشائر في الجزيرة العربية.
بيت الشعر الذي كان يُنصب في قلب البادية لم يكن مجرد مسكن، بل كان دارًا للضيافة، ومضافة للجاهات، ومجلسًا للحكمة، ومكانًا تُصنع فيه المواقف الكبرى.
فيه اجتمعت القبائل، وتحوّلت الخلافات إلى صلح، وكان الشيخ ابو الشايش رمزًا للكلمة المسموعة والرأي الموزون.
لم تكن زعامته تقتصر على الحدود الأردنية، بل امتدت مكانته إلى عمق الجزيرة العربية، حيث كان يُعرف هناك بصلابة موقفه، وعدالة حكمه، وكرمه الذي لم يعرف حدودًا، فكان يُذكر اسمه في المجالس احترامًا، وتُروى مواقفه في كتب التاريخ الشفوي والمكتوب.
ورغم رحيله، لا يزال بيت الشعر قائماً كأنفاس الزمن القديم، يُداعب نسيجُهُ الريح، ويُذكر الزائرين بعظمة رجلٍ لم يكن عاديًا، بل كان صوت البادية وضميرها، وسند الفقير، وملاذ الحائر.
واليوم، حين يمرّ أبناء العشيرة أو زوار القبائل أمام بيت الشيخ المرحوم نايف حديثة، يتوقفون بتأمل ، لا لهيبة البيت فقط، بل لما تمثله من معانٍ راسخة، عن الأصالة، والوفاء، وزعامة لا تتكرر.
في بيت الشعر، لا يزال صدى صوت الشيخ يهمس: "الزعامة موقف، والكرم عهد، والوفاء شيمة". كلمات بقيت في الذاكرة، كما بقي البيت شاهدًا على رجل كتب اسمه في صفحات المجد بحبر الرجولة والمروءة... الرحمة والمغفرة للمرحوم الشيخ نايف حديثة الخريشا وطول العمر لشيخ الشايش نايف حديثة الخريشا ...