من موقعي كأحد أبناء سلاح الجو الملكي الأردني، الذي أفنيت سنوات عمري في ميادين الشرف والعطاء، أتابع اليوم بكل فخر واعتزاز الجهود الجبارة التي يبذلها زملائي من الطيارين والفنيين في دعم أهلنا الصامدين في قطاع غزة، عبر الإنزالات الجوية التي تحمل لهم الحياة وسط هذا الظرف العصيب.
هؤلاء الرجال، الذين عملت إلى جانبهم طيلة سنوات خدمتي، أعرف معدنهم الأصيل وأدرك حجم التضحيات التي يقدمونها بصمت، بعيداً عن الأضواء. فالطيار الذي يخترق الأجواء، والفني الذي يسهر على جاهزية الطائرة، كلاهما شريكان في هذه المهمة الإنسانية، التي تعكس وجه الأردن المشرق، قيادة وشعباً وجيشاً.
اليوم، وأنا أرى طائرات سلاح الجو تحلّق فوق غزة، محمّلة بالدواء والغذاء، أشعر أن الروح التي تربينا عليها ما زالت حيّة؛ روح الإيثار، والوقوف مع الشقيق وقت الضيق، وتنفيذ الواجب بكفاءة لا تعرف المستحيل.
هذه الإنزالات الجوية ليست مجرد عمليات عسكرية، بل رسائل محبة، وشحنات من الكرامة والإنسانية، تصل إلى قلوب أهلنا هناك قبل أن تصل إلى أيديهم.
لقد علّمتنا مدارس سلاح الجو أن السماء ليست فقط ميدان قتال، بل ميدان نجدة وإغاثة. وكل طيار وفني يعمل اليوم في هذه المهام، إنما يعيد التأكيد على أن جيشنا العربي هو جيش العقيدة والإنسانية، وأن أبناءه، من القاعدة إلى القمة، يمضون على نهج الهاشميين في نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف.
أحيي زملائي وأبنائي الذين ما زالوا في الميدان، وأشدّ على أيديهم، فهم اليوم لا يدافعون عن شرف المهنة فحسب، بل عن كرامة أمتنا وعن واجبنا الإنساني الذي لا ينقطع.
وستظل طائراتنا تحلّق، وأرواحنا ترفرف معها، حتى تصل الرسالة: الأردن حاضر دائماً في ميادين العطاء، مهما اشتدت الأزمات وعظمت التحديات...