في كل بيت من بيوت عشائر بني صخر ، وفي كل مجلس من مجالس الكرام، ما زال اسم الحاج محمد الزبن "أبو أنور" يتردد كقصة تُروى، لا كذكرى تُنسى. هو الرجل الذي مضى قبل 23 عامًا، لكنه ما زال حيًّا في القلوب، وفي وجدان من عرفوه، وفي سيرة أبنائه الذين ساروا على دربه، يخدمون الوطن كما كان يحب ويُعلّم.
كان "أبو أنور" لا يملك سوى قلب كبير، ويد ممدودة بالخير، وصوت حكيم يجمع ولا يُفرّق. في قريته الصغيرة، كان بيته مفتوحًا لا يُغلق، وموقد ناره لا يخبو، يطعم الجائع، ويكسي الفقير، ويُصلح بين المتخاصمين كأنما خُلق ليكون سراجًا يُضيء الطريق للآخرين.
في ليالي الشتاء الطويلة، كان يجلس بين أولاده، يزرع فيهم بذور الشجاعة والكرامة، ويُحدثهم عن معنى أن يكون الإنسان جنديًا لوطنه، حتى لو لم يحمل سلاحًا. كان يقول: "الوطن لا يحميه السلاح وحده، بل تحميه القلوب المؤمنة، والسواعد التي لا تعرف الكلل."
ولم تمضِ السنوات حتى كبر الأبناء، وعلى رأسهم معالي الفريق أول الركن مشعل محمد الزبن، فكانوا كما أراد لهم والدهم؛ رجالًا في ميادين الشرف، قادة يخدمون الجيش العربي بإخلاص، وعيونًا ساهرة على أمن الأردن واستقراره. وكأن الحاج محمد، رغم رحيله، ظل يُربي فيهم حتى وهم كبار، يُلقنهم دروس العطاء بصمت، ويُذكرهم أن الأصل في الرجولة هو الوفاء.
اليوم، وبعد 23 عامًا على غيابه، لا تزال سيرته الطيبة تُروى في المجالس، وتُعلّم الأجيال أن هناك رجالًا لا يموتون، بل يتحولون إلى إرث أخلاقي يُلهم من يأتي بعدهم.
فسلام على روحك الطاهرة يا "أبو أنور"، وسلام على ذكراك التي ما برحت تُزهر في كل بيت أردني يعرف معنى الأصل والجود.