طقوس وتقاليد رمضان في السودان مختلفة عن باقي المجتمعات العربية، فلها خصوصية محددة، حيث يبدأ الاستعداد لرمضان من شهر شعبان الذي يسمي «قصير» باللغة الدارجة السودانية للدلالة على قصر الوقت وقرب دخول شهر رمضان. في «قصير» تبدأ السودانيات بإعداد مشروب شعبي رمضاني يسمي «الأبري» أو «الحلو مر»، ويأتي تناقض الاسم من تناقض الطعم الذي يميل إلى الطعم الحلو والمر في الوقت نفسه. الأبري هو مشروب رمضاني يصنع من دقيق الذرة مع مجموعة من التوابل تحتوي علي الكزبرة، القرفة، والهيل، والعرق الأحمر، والتمر هندي، والكركديه، والكمون. ثم تعمل هذه الخلطة على شكل عجين سائل يسهل بعدها صنع رقائق منه وهنا تأتي مرحلة تسمي «عواسة الأبري» وتعني كلمة عواسة طريقة صنع رقائق «الأبري».
في الماضي كان يوم عواسة الأبري أو الحلو مر يومًا تاريخيًا للأسرة السودانية، حيث تتحلق الجارات حول صاج كبير يوضع فوق حطب أو فحم فيما يشبه التنور في الدول العربية ثم تأتي عملية سكب السائل على هذا الصاج الساخن لتتشكل رقاقة خفيفة تزدهي بلون أحمر. جلسة عواسة الأبري تتميز بأنها جلسة سمر نسائية خاصة يصاحبها تناول الشاي الأحمر واللقيمات ولعب الأطفال الذين يستمتعون بتذوق أول رقاقة تخرج من الصاج. للحلو مر رائحة ذكية جدا تنتشر في أرجاء الحي، فتخبرنا أن منزل فلان اليوم به جلسة لصنع «الأبري»، ما زالت هذه الجلسة تمارس في القرية السودانية لكنها تختفي كلما اتجهنا للمدن لأن كثيرًا من الأسر السودانية أصبحت تميل إلى شرائه من السوق أو السوبر ماركت، أو جلب سيدة لعملة في المنزل بهدوء ودون الإعلان عنه، لكن الأبري دوما يفضح سره. باختفاء جلسة «عواسة الأبري» تكون الأسر السودانية فقدت تقليدًا رمضانيًا عريقًا.
لكن هذا الاختفاء نتيجة عوامل التغير في الزمن وعدم وجود الوقت لم يمنع أن تزخر المائدة السودانية بتقليدية مفرطة، ومن أهمها طبق العصيدة الشهير، التي تتكون من خليط الذرة المخمر بالماء الذي يوضع علي نار هادئة ثم يوضع في قالب دائما ما يكون على شكل قبة، ثم يوضع عليها ما يعرف بملاح التقلية أو الروب.
ورغم دخول الكثير من الأطعمة العربية وغيرها على المطبخ السوداني لكن يظل رمضان في السودان شهر بمذاق محلي، إذا تتسيد البليلة السمراء مع صحن التمر والمشروبات الرمضانية مثل التبلدي والتمر هندي، وتصبح منافسًا قويًا لـ«الحلو مر».
تتقارب العادات والتقليد الرمضانية في السودان عند معظم القبائل في السودان ويشتركون جميعا في أن هذا الشهر هو للخير، لذلك عادة ما يذهب الجيران لطلب العفو والمسامحة قبل دخول رمضان حتى تكون النفوس هادئة لا تحمل حقدًا.
ومن أهم ما يميز رمضان في السودان عادة الإفطار الجماعي ما بين الجيران في الشوارع، عادة ما زال أهل القرى يحتفظون بها وبعض الأحياء الشعبية في العاصمة السودانية.
والإفطار الجماعي في الشوارع يختلف في طريقته من القرية إلى المدينة؛ ففي القرى يقوم السكان بقطع الشارع واعتراض الباصات السفرية وإجبار المسافرين على النزول وتناول الطعام، وذلك عن طريق وضع العمامة السودانية في منتصف الطريق ثم يأتي رب الأسرة ليقوم بالترحيب بركاب الحافلة الذين قد يبلغ عددهم 40 مسافرًا، فتدخل النساء إلى المنزل، ويبقى الرجال لتناول الفطور في الشارع، حيث تمتد موائد الرحمن. هذا الكرم الحاتمي أدخل أسرتين المحاكم، حيث شهدت ولاية الجزيرة تسجيل أغرب بلاغ في التاريخ، عندما استقبلت محكمة قرية الكاملين بلاغًا حول خلاف مواطنين حول من يكرم المسافرين على الطريق، ويتشرف بخدمتهم أثناء وجبة الإفطار وادعى أحدهم أن الآخر (يسرق) منه الضيوف، ويسرع لسحب الحافلات والعربات المسافرة على الطريق لمائدته دون أن يترك له مجالا لإكرام بعضهم، الأمر الذي جعل القاضي يرفض النظر في الدعوى، لكنه استعمل الحكمة وقدم محاضرة عن الكرم السوداني وتدخل فاعلي الخير ليتم تقسيم الضيوف على الموائد كافة.
أما في المدن، فتخرج الأسر السودانية إلى الميادين التي تتوسط الأحياء، تحسبا لوجود مارة قد يكونون بعيدين عن منازلهم أو وجود عزاب قد لا يتوفر لديهم الوقت لصنع الطعام.. قبل الأذان بدقائق يتدفق الصائمون على الميدان ليجلسوا على شكل حلقات لتناول الفطور ثم تناول القهوة والشاي، ثم يقضون بعض الوقت لمعرفة أحوال بعضهم قبل الذهب إلى صلاة العشاء والتراويح.
في الشهر الكريم تنعدم المناسبات الاجتماعية إلا من عادة حديثة تعرف بما يسمى بـ«موية رمضان»، وهي عبارة عن شراء كمية من المواد التموينية والأواني المنزلية حيث تشمل أطقم العصير وأطباق العصيدة وأطقم الشوربة وعلبًا كبيرة من البهارات، وكمية كبيرة من الأبري وباقي العصائر التقليدية السودانية والبصل المجفف واللحم المجفف. كل هذه الأشياء تكون عبارة عن هدية مقدمة من أهل العروس إلى أهل العريس، وبطبيعة الحال تعتمد هذه المناسبة على الوضع المادي لأسرة العروس التي يمكن تنفق آلافًا أو ملايين على هذا التقليد.
رمضان في السودان هو الشهر الوحيد في السنة الذي يتشارك فيه المسؤول والفقير في شرب العصير نفسه، مع اختلاف أن موائد الفقراء في السودان لا يوجد بها غير البليلة السمراء التي تحتوي على عنصر الحديد، والكثير من الفيتامينات.
تميل جميع السودانيات إلى الصلاة في المسجد خلال شهر رمضان، وخصوصا صلاة التراويح حيث يفضلن الأئمة الذين يقرأون بالجزء، ومن أشهر المساجد التي تجذب المصلين في العاصمة السودانية مسجد سيدة سنهوري ومسجد النور بكافوري.
يصوم السودانيون رمضان هذا العام في درجات حرارة عالية وقطوعات كهربائية متكررة، وهذا الوضع خلق نوعًا من النكتة المصورة على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ انتشرت صور السودانيين نيامًا بجوار نهر النيل أو بالقرب من الزير، أو النوم وهم يحتضنون الثلج.
كما يفضل عدد من المغتربين السودانيين العودة لسودان لقضاء رمضان بنكهة محلية خالصة تمتد من لمة الأهل، وتنتهي بسماع المسحراتي الذي بدأ يتلاشى صوته مع عصرية الحياة...