كان مشهوداً للأردن عبر العقود الماضية قوة حضوره الإقليمي والدولي من خلال طرحه ومشاركته الفاعلة بالحراكات السياسية وتفاعلاتها؛ بحيث بقيت خيوط الحل لكافة قضايا الإقليم مرتبطة بالعاصمة عمّان، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر: القضية اللبنانية، أزمة السودان؛ قضية العراق، وبالطبع القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني.
وقد تكالبت مجموعة من الظروف والتداعيات الإقليمية والدولية أفضت لتراجع دور الدبلوماسية الأردنية ومفسحة المجال لبروز دور بعض الدول، بحيث غدت الماكينة الدبلوماسية الأردنية تلاحق الأحداث المتسارعة في الإقليم دون أن تكون صاحبة أثر عميق بالمستجدات والمعطيات.
لقد كان لزيارة الملك الأخيرة إلى أميركا الكثير من النتائج الإيجابية التي سوف تصب قطعاً في مصلحة الدولة الأردنية وتخدم قضاياها المختلفة على كافة الصعد التنموية والاقتصادية والسياسية؛ بيد أن النتيجة الأهم لهذه الزيارة هي استعادة الأردن لمكانته ولوزنه التاريخي الإقليمي الحقيقي، بحيث خاب نهج ترامب وحليفه نتنياهو في التآمر على الأردن ومصالحه الاستراتيجية.
وقد أصبح واضحاً أن استقرار الأردن ونموه وازدهاره يشكّل مصلحة أميركية راسخة وذلك بسبب اعتدال النهج الأردني وعقلانيته، وبسبب المكانة التاريخية للهاشميين كحملة للفكر العربي الإسلامي الحضاري الذي يتقبل الأخر ويستوعبه رغم اختلافه، ولدوره البارز في حل الكثير من قضايا المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ناهيك عن دور الأردن الإنساني في التعامل مع قضايا المنطقة الإنسانية واستقبال النازحين والمهجّرين الهاربين من البطش والظلم والاستبداد؛ بالإضافة لكون الأردن يتحلّى نسبياً بنهج ديموقراطي أبعد ما يكون عن نهج النظم الدموية العديدة المجاورة.
إن هذا الفهم الأميركي لدور الأردن ومكانته كان راسخاً عبر عقود من العلاقات الأردنية الأمريكية، لكنه تعرض للتشويه والعبث من قبل الإدارة اليمينية السابقة بقيادة ترامب الذي اختار التحالف المطلق مع نتنياهو على حساب ثوابت السياسة الامريكية الراسخة ومصالحها في المنطقة.
لقد استطاع الملك خلال هذه الزيارة إحياء ثوابت السياسة الأمريكية تجاه نظرتها للأردن، ولا شك بأن وجود بايدن العقلاني والحكيم عقب حقبة ترامب الأهوج على رأس الحكومة الأمريكية كان بمثابة فرصة لتجديد أطر وثوابت العلاقات الأردنية الأمريكية من جديد، ويُسجل للملك حكمته وتريثه وصبره على كل المضايقات التي تعرض لها سابقاً خلال وجود ترامب، وعمله الدؤوب خلال هذه الزيارة وقبلها من أجل استعادة مكانة الأردن ودوره التاريخي كدولة صانعة للأحداث بما يخدم شعبها أولاً وكافة شعوب المنطقة ثانياً والاستقرار والسلم الدوليين ثالثاً.
إن هذا النجاح الذي حققه الملك عبدالله الثاني في إدارة الدبلوماسية الأردنية بكل اقتدار؛ يستوجب استنهاض طاقات وعزيمة بقية أدوات وأجهزة الدبلوماسية الأردنية لترسيخ الإنجازات التي حققها الملك أولاً ثم لفتح آفاق جديدة ومساحات حقيقية تحقق الفرص لمصالح الأردن وسعيه للنهوض، وذلك على هدي توجيهات الملك وطروحاته وأفكاره الإبداعية الخلّاقة.ِ
ومن هنا، يجب على الحكومة وبالتشارك مع السلطة التشريعية البناء على ما أنجزه الملك من أجل ترسيخ استعادة مكانة ودور الأردن التاريخي في الساحتين الإقليمية والدولية وفق نهج علمي واقعي حصيف بأسرع وقت ممكن.