يختص مجلس الأمة، بشقيه الأعيان والنواب، بأداء وظيفة دستورية أساسية تتمثل بالتشريع، إذ يعرض رئيس الوزراء وفق المادة 91 من الدستور مشروع كل قانون على مجلس النواب، الذي له حق قبول المشروع أو رفضه أو تعديله. وفي جميع الحالات يرفع المشروع إلى مجلس الأعيان. ولا يصدر القانون إلا إذا أقره المجلسان وصدق عليه جلالة الملك.
وإن كان الطريق الأصيل دستوريا لاقتراح مشاريع القوانين، يتم من الحكومة عبر رئيس الوزراء، فإن المادة 95 من الدستور تجيز لعشرة أو أكثر من أعضاء أي من مجلس الأعيان أو مجلس النواب اقتراح القوانين، ويحال هذا الاقتراح إلى اللجنة المختصة في المجلس المعني لإبداء الرأي، فإذا رأى المجلس قبول الاقتراح فإنه يحيله إلى الحكومة لوضعه في صيغة مشروع قانون وتقديمه للمجلس في الدورة نفسها أو في الدورة التي تليها.
إن هذا المسار الدستوري لعملية اقتراح مشاريع القوانين، واشتراط وضعها بصيغة مشروع قانون من قبل الحكومة، ولو كان مصدر هذا الاقتراح مجلس الأمة نفسه صاحب الولاية الأصلية بالعملية التشريعية، فإن ذلك يعتبر انتقاصا واضحا للوظيفة التشريعية لمجلس الأمة، وتعديا على ولايته الدستورية، لما يمثله هذا الاشتراط من قيد دستوري على ممارسة مجلس الأمة وظيفته التشريعية.
لقد كان حري بالمشرع الدستوري، أن يهندس إجراءات التعامل مع المبادرات التشريعية التي مصدرها مجلس الأمة بمنهجية فاعلة تكفل استقلالية هذا المجلس في ممارسة وظيفته التشريعية، وتفرض هذه المنهجية الولاية الكاملة للمجلس في ممارسة تلك الوظيفة، باستبعاد أي دور للحكومة في المسار الدستوري لمقترحات مشاريع القوانين التي يقترحهـا أعضاء مجلس الأعيان أو مجلس النواب.
إن هذه المسألة جوهرية ٌ في تمكين مجلس الأمة، بشقيه الأعيان والنواب، من أداء وظائفه الدستورية بشكلها الكامل وبملء الحرية ومنتهى الاستقلالية. فإذا كانت المادة 95 من الدستور ألزمت الحكومة بوضع المقترح بصيغة مشروع قانون وأن تقدمه للمجلس في الدورة نفسها أو في الدورة التي تليها، تبرز الاشكالية المهمة في هذه المسألة إن لم تلتزم الحكومة بوضع المقترح بصيغة مشروع قانون ولم ترسله لمجلس النواب في الوقت الدستوري المحدد، فما هو الحل الدستوري البديل سوى حق المجلس بمساءلة الحكومة عن هذا التقصير؟ والذي يكون هذا الحل غير منتج.
وبمـا أن الدولة أمام مشهد اصلاحي يتعلق جزء منه ببعض أحكام الدستور، أعتقد أنه من الضرورة النظر الى المادة 95 من الدستور نظرة نقدية متعمقة ودراسة آثارها على أداء مجلس الأمة بشكل عام، والعمل على وضع المقترحات الملائمة لتعديلها بما يكرس استقلالية مجلس الأمة في العملية التشريعية، بالنص مثلا بأن مقترح مشروع القانون الذي يقدمه عشرة من أعضاء مجلس الأعيان أو مجلس النواب، وتقبله اللجنة المختصة في المجلس المعني ويوافق عليه ذلك المجلس، تتم احالة المقترح إلى اللجنة القانونية في مجلس النواب لوضعه في صيغة مشروع قانون وتقديمه إلى المجلس للسير بمراحله الدستورية. على غرار العديد من الدساتير التي لا تتطلب إحالة مقترحات القوانين إلى الحكومة، كنص الفصل 62 من الدستور التونسي بأن (تمارس المبادرة التشريعية بمقترحات قوانين من عشرة نواب على الأقل، أو بمشاريع قوانين من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة).
وعليه، إن وجود اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، هي فرصة نوعية للدولة الأردنية، لإعادة النظر بالعديد من التشريعات السياسية والارتقاء بالأحكام الدستورية المرتبطة بها، ذلك أن دخول المئـوية الثانية من عمر الدولة، يجب أن يستقبل بفكر جديد ينسجم مع متطلبات المستقبل ويواكب التغيّرات العالمية.