لسنا نسرف ونذهب بعيدا ان قلنا بان الحاج امين الحسيني لم يكن على وفاق في معظم الامور مع المغفور له الامير عبدالله الأول بل ان مسألة الاختلاف ظهرت على أكثر من صعيد ، فالحاج امين الحسيني قد ذهب مذهب المواجهة مع البريطانيين باعتبارهم المشكلة نفسها وان رحلته الطويلة التي سارها بعد خروجه من فلسطين اثر أوامر بريطانية باعتقاله تذهب ابعد من ذلك حينما ناصر دول المحور باعتبار ان عدو عدوك صديقك ، فلقد قابل موسوليني في إيطاليا وهتلر في ألمانيا طالبا منهم دعم فلسطين والدول العربية لنيل استقلالها وهو ما كان بوعود واضحة من الاثنين بدعم استقلال البلاد العربية ، وهذا ما دعا رئيس وزراء اسرائيل نتنياهو قبل سنوات قليله بالقول بان الحسيني قد حرض هتلر على قتل اليهود بما يعرف بالهولوكوست، ولكننا ندرك بان تكريمه كما ذكر قد كان لامور تتعلق بالإعمار الهاشمي الاول للمسجد الاقصي ولكن العلاقة بين الامير عبدالله الأول و الحاج امين الحسيني اخذت بعدا أوضح حين ندرك بان حلف النشاشيبي الذي كان المقرب من الملك عبدالله الأول لاحقا قد كان العدو اللدود لتيار الحسيني الفكري حتى وصلت الامور الى ابعد من ذلك حينما تم السيطرة على ثورة ١٩٣٦ التي دعمها الحسيني وتم اخمادها بمساعدة حلف النشاشيبي حينما تم إنشاء فصائل السلام الممولة من بريطانيا لإخماد الثورة وقتل او اعتقال المشاركين فيها و قد قاد هذه الفصائل ابن شقيق راغب النشاشيبي فخري والذي تم قتله في العراق عام ١٩٤٢ من قبل جماعة الحسيني كما تقول الروايات ، ولكن منصفين بان الحسيني والذي كان يمثل محور المقاومة لم يكن فجأ ضحلا في معارضته لملوك و زعماء العرب بل كان رجل دولة وسياسة وفكر ينأى بنفسه عن القدح والذم والمناكفات جعلت منه احد اهم القيادات العربية في ذلك الوقت وكان يستقبل في كل الدول استقبال الزعماء والملوك ، وهنا يتضح بان الرجل كان ذو فكر قومي اسلامي ويرى بان فلسطين هي قضية عربية واسلامية في حين رأى خصمه النشاشيبي بانها قضية فلسطينية فقط وان القوى الفلسطينية قادرة على ايجاد حل بالتعاون والتحاور مع بريطانيا ومع اليهود أنفسهم اذ يرى كثير من أنصاره ان اليهود هم شركاء محتملون لا بل اصدقاء نافعون متطورون كما يصرح رئيس بلدية حيفا آنذاك حسن شكري اذ كان يصف اليهود بانهم احيوا البلاد التي سكنوها زراعة وصناعة وتنظيما ، ولكن على جميع الأحوال فان راغب النشاشيبي العدو اللدود للحاج امين الحسيني قد حظي بثقة الملك عبدالله الأول واستلم وزيرا ومناصب رفيعة في الضفة الغربية ولكن ذلك لم يكن كافيا يبدو لتكريمه بوسام مئوية الدولة الاردنية بل ان خصمه هو الذي - برأي الدولة الاردنية -انه يستحق التكريم ، ولكن يبدو ان الناظر الى الامور في فلسطين المحتلة يرى التيارين السابقين ما زالا حاضرين ففتح والسلطة تمثل تيار الحوار والمفاوضات في دائرة شبه مفرغة وهو تيار كان يتبناه النشاشيبي وحلفه وتمثل حماس والمقاومة في غزة تيار الحاج امين الحسيني الثائر والمناضل لاعتقادهم بانه لا حل آخر إلا المواجهة ، والسؤال هنا هل تكريم الحاج امين الحسيني الثائر والمقاوم والعدو اللدود لبريطانيا وأعوانها هل يعتبر ذلك بداية تحول في السياسة الاردنية ومحاولة التناغم وفهم التيار المقاوم والانخراط في تفاهمات معه مبنية على رؤية جديدة للاستراتيجية الاردنية حيال القضية الفلسطينية وقضايا المنطقة.